في حوالي منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، ظهرتْ قبيلةٌ بدويةٌ من التجار في الأراضي الصحراوية في الأردن، حيث عُرفوا باسم الأنباط. وقد سمحتْ طرق التجارة التي يُسيطرون عليها بإنشاء علاقاتٍ وطيدةٍ مع الحضارات في بلاد الرافدين، واليونان، وروما، والهند، وصولًا إلى الصين. استفاد الأنباط من هذه العلاقات ومن سيطرتهم على طرق التجارة، وخاصة تلك المستخدمة في تجارة البخور، وأسّسوا حضارةً مستقرةً حوالي القرن الثاني قبل الميلاد. وبالتالي، بدأتْ هذه القبيلة البدوية بترك بصماتها في مجالات الهندسة، والهندسة المعمارية، واللغة المكتوبة. بعد أن استقرّتْ قبيلتهم، أنشأ الأنباط مملكةً مزدهرةً امتدتْ على مساحة تُقارب 800 كيلومتر، حيث كانت عاصمتهم هي البتراء في الأردن إلى الشمال، في حين أن أهم مدنهم في الجنوب كانت مدينة الحِجر (المعروفة أيضًا باسم مدائن صالح) في العلا - وهي تشتهر بكونها تضم أكثر من 100 مدفن من المدافن التي نُحتتْ بشكل رائع من الحجر الرملي الناعم في المنطقة ونُقشتْ بالكتابات النبطية. اليوم، ما تزال العديد من هذه الهياكل المحفورة بشكلٍ جميلٍ قائمةً ومحفوظةً بشكل جيد، حيث ترتفع من قلب صحراء المملكة العربيّة السعوديّة ويعزى تركهم لموطنهم الأصلي الى ما خلفته الفيضانات من دمار للسدود وخزانات المياه التي كانت تستخدم في الزراعة، الامر الذي قضى على سبل معيشتهم، وبالتالي تركوا تلك الديار، واتجهوا شمالا سالكين طريق البخور العربي القديم الذي كان يبدأ باليمن مارا بالجزيرة العربية ثم البتراء وبعدها الى غزة على الساحل الفلسطيني. استقر المقام بالانباط في البتراء لوفرة مياهها وخصب اراضيها وجمال جبالها، بالاضافة الى وقوعها على طريق القوافل المهمة، فاشتغلوا بالتجارة واصبحوا اثرياء حيث بنوا مدينة البتراء التي تعني المدينة الصخرية، ثم كونوا مملكة كبيرة وجعلوا البتراء عاصمة لهم. توسع الانباط شمالا للسيطرة على طرق القوافل فأصبحت دمشق ايضا مدينة من مدنهم، ولقد استفاد الانباط من انقسام الامبراطورية اليونانية في الشرق بعد موت الاسكندر الكبير، حيث انقسمت امبراطوريتهم بين البطالمة والسلوقيين ودافع الانباط عن مملكتهم خير دفاع ضد حملات اليونان الذين فشلوا بالاستيلاء على دولة الانباط
وعندما جاء الرومان بدل اليونان الى الشمال كان الرومان في البداية مشغولين بحروبهم مع الفرس ثم اصبح لهم بعدها علاقات وطيدة مع الانباط، وسرعان ما اصبحوا اعداء، واستطاع الرومان في النهاية السيطرة على دولة الانباط عام 106 ميلادي
احتلّتْ مدينة الحِجر موقعًا مركزيًا بين الشرق الأقصى والبحر الأبيض المتوسط، وكانت بمثابة بوابة إلى المحيط الهندي من البحر الأحمر. وعلى هذا النحو، أصبحتْ المدينة ملتقىً ثقافيًا ومركزًا تجاريًا رئيسيًا، واتّخذ الأنباط خطوات مبتكرة للدفاع عن مملكتهم. وفي هذا السياق، اكتشف علماء الآثار آثارًا لسور دفاعي يبلغ طوله 3 كيلومترات، تتخلّله البوابات والأبراج المتعدّدة والتي كانت فيما مضى بمثابة دفاعات المدينة. كما تفوّق الأنباط في الابتكارات الهندسية التي كانت متقدّمة بشكل استثنائي بالنسبة لتلك العصور، حيث تم اكتشاف أكثر من 130 بئرًا في مدينة الحِجر، والتي استغلّتْ المياه الجوفية في أعماق الرمال العربيّة وخدمتْ بمثابة خزاناتٍ لمياه الأمطار.
لقد تفوق الانباط في التجارة والصناعة والزراعة وغيرها الى بروز دولة قوية متنامية الاطراف استمرت حضارتها زهاء 600 سنة وقد ذكر التاريخ اسماء اثني عشر ملكا من ملوك الانباط اولهم الحارث الاول واخرهم رب إيل «رئبال» وقد كان للمرأة دور في الحكم والسياسة.