بقلم : علي يوسف تبيدي
كاتب ومفكر من السودان
يغادرنا في هذا الظرف إلى بلاده مصر الحبيبة المستشار القنصل أحمد عدلي وفي القلب لوعه وفي النفس حسره وفي العيون دمعه من فرط العلاقة الحميمية والمحبة الخالصة والأخوة المتينة التي بناها هذا الرجل الاستثنائي مع جميع أطياف الشعب السوداني بلا استثناء.
كان عدلي يمثل أيقونة دبلوماسية وإنسانية مشبعة بالقيم السمحة المهنية الراقية يبتعد عن الشطط والعدوانية والابتذال وهو يفعل ذلك عن قناعة راسخة ورؤية واضحة ، وقد ظل الرجل ينبض بالحب الصادق والحنان الجارف لجنوب الوادي عارفا بقضاياه المتنوعة وأحلامه الكبيرة.
تجلت عبقرية عدلي في مهمته خلال ظهور الأجواء الإعلامية الملتهبة التي مرت بين الخرطوم والقاهرة عندما حاول البعض استخدام سلاح الإعلام للقضاء على نسيج العلاقة التاريخية بين البلدين فكان الرجل حاذقا وذكيا في إطفاء تلك الحرائق.
نودع أخا عزيزاً قضينا معه لحظات وأيام مترعة بالنشوي والجمال والصدق وعشق المسؤولية والتفاهمات المشتركة.
لن ننسى كم قام عدلي بمعالجة إشكاليات السودانيين الذاهبين لأرض الكنانة من أجل العلاج والعلم والسياحة والرياضة وكم كان واسع البال لا يعرف الضيق والتسويف والمراوغة حتى تقطيبة الجبين.
ليس في مقدور أي متغيرات ان تزيل إحداثيات العلاقة المقدسة بين شعبي وادي النيل السودان ومصر ، فهي عميقة مثل مجري النيل الخالد ، ومسترسلة مثل مياهه ، ونابعة من منابع طيبة ومتدفقة تغمر الوجدان والارض وتسقي الزرع ، هي علاقة لا يمكن تأطيرها بنظام سياسي ، او فقدان لبوصلة ايدلوجية ، وتماهي عسكري وسياسي ، هي علاقة جذور حيث لاسبيل الا بالبناء عليها وليس قطعها.
وحيث لا استجداء في هذه العلاقة الراكزة والعامرة بين شعبي الوادي ، فان السودانيين يدينون بالقمح والماء البارد يصبونه متي ما التهبت الاوضاع بين البلدين ، وان كان ذلك الزمان قد مضي ، وجاء عهد جديد فيه احترام للود والعلاقات لتدوم وتبقي وتذهر بالتعاون وينتظر منها شعبي البلدين كل جميل.