يروى عن الأديب العربي الشاعر المخضرم دعبل الخزاعي، قوله الشهير:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم الله يعلم أني لم أقل فندا
وإني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا
ولعلي من ذلك أستنتج أن عظمة الإنسان ليست بكثرة ما يقوله، أو بتكرار ظهوره على مختلف وسائل الإعلام، حيث إن بعض القنوات تصدر فئة غير صحيحة، والسبب بذلك يرجع إلى المحسوبيات، وتنحصر فيها هيمنة وعقلية أكل الزمن عليها وشرب، عقلية تواجه الابتكار والنظرة الشمولية ومواكبة ما يستجد من تقدم وتفتقد لقراءة المشاهد من كل جوانب، كما وتصنف نفسها بأنها من نخبة أهل العلم والثقافة والفكر المجتمعي والتحليل السياسي والرياضي، بيد أن عقليتها في الواقع مبنية على الحصر لا الشمول، وتمنع الآخرين من إبداء ما لديهم، ولا يمكنك أن تتحدث معها قبل أن تصفق، وهذا دليل آخر على أن عقليتها محصورة بسياج المناكفات غير المنطقية، لكن رغم ذلك يعريهم الحوار والمناقشة في المنطق والعقل، في نقاش مبني على هدف مجتمعي لا شخصي.
ما أريد أن قوله هو إن القامات والهامات الفارغة تنظر لنفسها من الأعلى، وعلى هذا الأساس لن يستقيم العلم والمعرفة، ولن يكتمل التحليل سواء رياضي أو مجتمعي بدون استضافتهم وتكرير نفس السيناريو بأفكاره المكررة، وهذا يشير إلى أن هذه الفئة لا تملك رؤية طموحة واعدة ولا تنقل التطور والإثراء الذي يحتاجه المجتمع.
من جهة أخرى أود أن أسلط الضوء على أن الإنسان إذا بقي يعتنق نفس الأفكار ويرددها ويرفض التطور ومواكبة العصر والحداثة، ويكرر الحديث ذاته في كل استضافة وفي كل لقاء، سوف ينعكس على المجتمع وما يراد تطويره من منظومة عمل، وأشير بذلك على من يصنف نفسه بأنه نخبوي، فعليه أن يدرك أن عجلة التطور تتطلب العمل وتصحيح المسار، إذ ثبت فشلها وسلبيتها بالعمل على تداركها في وعي ومنطق الحداثة ومواكبة عجلة التقدم، فعلينا اتباع التفكير الإيجابي مع التصرف الإيجابي في نفس الوقت التركيز دائما على النصف الممتلئ من الكوب وليس الجزء الخاوي .
وبالطبع ليس الجميع معني بهذا الكلام، إنما هو موجه فقط لمن يعد نفسه نخبة وقامة، لكنه في الواقع يتجنب مواجهة المشاكل وإيجاد التبريرات لبعض الأفعال الخاطئة بتحليل ولقاء مفلس، فما هو إلا إيجاد مخرج لكي يجعل دوافع الأفعال تبدو وكأنها منطقية، وعلينا أن نعلم أن الشعور بالعظمة والكبر سلوك مرفوض ويقوض أفراد المجتمع، لكن احترام الذات وتقديرها يرقى في الفكر ويواكب المجتمع والتطور.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول إن الكلمات إما أن تبني وتصنع، أو أنها تهدم وتدمر، ففي بعض البرامج الخاوية قد يكون هناك محلل ينشر التعصب أو محلل سياسي غير واعي يفسد أكثر مما يصلح .