في ليلة مظلمة يملؤها سكونٍ تام :-
وقف وحيداً سارِحاً في أفكاره سجين مشاعره وخُططه يُلوِّح باحثًا عن مخرَج ..
وبين تخبط افكاره
وبعثرة انفاسه
قاطعه طيفٌ عابِر
همس في إذنه :-
يالَِهذا البائِس المتذمر!
كفاكَ تظاهر بالشفقة !
لا أحَد معك ..!
عِش في دوّامتك البغيضة تِلك .
ولدتُ وحيداً وستموت وحيداً ..!
ما أردته ذهب منك وما أردت زرعه حصدَه غيرُك !
أوقف السارِح حديث الطيف بصرامه :-
: من تقصد؟ أنا !
ليرُد باستهزاء: أو هُناك أحدٌ غيرنا!
كفاكَ سوداوية و لومُ الآخرين بماضيك والتبرير لاخطاءك وعدم المغفرة لزلّات غيرُك !
لا أحد يُطيق تحمل شكواك كُل يوم!
لا أحد يكترث لأمرك كنفسك !
من فضلك لقد مللت من هيئتك الرّثه واليائِسة تِلك
ومن هيئتك المُثيرة للشفقة وانت تشمئز من هذا وذاك ..!
وتسخَر من كل صغيرة وكبيرة .!
ولا تأنَف عن ذِكر مساوئ غيرك
ويكأنك لم ترى حالَك أنت ؟
لاتزال تنظر للحياة من زاويتك الضيقة وبعين البؤس والحسرة
اني جئتُ لك مضجر وناصح فإن قبلتَ مني فعلى الرحبٌ والسِعة وذلك ما أرجو وإن لم تقبَل فالتبقى في قوقعتك والحياة ستستمر !
قال السارِح بتلعثم وخوَف :ومن أنت ولماذا تسقط ماليس فيّ !!
رمقه الطيف بنظرة يعلوها الاشمئزاز :أووو يال خيبتي أَن جئتُ إليك !
أمازلت في حالك المُترّدد وكأن كلامي لم يلامس ما بداخلك
لا يهُم من أنا !
الأهم ما اخبرتك بِه الا تُريد التغيير ؟
دعني اعطيك سِراً لعلّك تفيق من سُبات البُهت وديمومة المأساة الزائِفة ..انك تعيش في هذه الحياة كراكب الأرجوحة :
تدور بك
بين عُلّو وهبوط
سقوط واستقامة
قفزة وعثرة
خوف وأمان
وبين هذا وهذا
وفي نقطة ارتكاز حالك :-
مايتوّجب عليك أن تطمئن فلا تستجيب لحزنٍ ولا تثق باستمرار الحال ..
وتُدرِك الحقيقة بتقلّب أحوالك كأرجوحة تتأرجح لتعلو وتهبط بين حينٍ وبين آخر ..
فلا تستقر في حالٍ واحد فمن المحال استمرار الحال
كالحياة تماماً ..!
ولكن انت ايُها الراكب من يستقر داخلياً ويجعل كل الامور تجري بمجراها فيرضى ولا يبتئس ويستمر في هذه الحياة فيرضى بما قسمه الله ويسعى ويأمل فلا يستوي القاعد البائس والمجتهد المتفائل ويخطو خطوة نحو التقدم والتطور
تماماً كما أُريده منك فهل ستتغيّر وتعي بما أقول وتعمل واراك مُشرقاً من جديد ؟
شعر السارِح بالخور والارتباك وضيق في التنفُس وحالة من التوتر وحاول الرد على الطيف بارتِجاف وهو يفتح أزرّة قميصه من ضيق تنفُسه فأردف يقول :-
من أنتَ ؟ وماذا تُريد؟ وهل أنت روح شريرة ؟
لِما لا يمكنني رؤيتك ؟
ومن اخبرك بِكُل ذلك !!
ولماذا كلماتك يعلوها الإبهام !
أأنت تُخفي امراً ما !
وعن اي أرجوحة تتحدّث !؟
ولِما جئتني انا بالذات ؟
دقات قلبي بدأت تزيد
اشعُر بالاختناق ..
اني لا اشعر بنفسي آااااا
شفتاي اصبحت جافّة
انني اتصببُ عرقاً ..
يالروحي العاثرة ..!
الا يكفي أنني مسكين أن تاتيني تلك الأطياف لتضيقَ عليّ حالي
يالِسوء حظي
إنني مسكينٌ حقاً
انني سأموت !
واصبح يتمتم بكلمات الحُزن والرثاء المعتاده التي يخبرها دائِماً لنفسه ..
وبينما هو يتمتم نظر لهُ ذلك الكائن الغير معروف بازدراء من حاله وتعّجُباً من أمرِه ومضي قدماً في طريقه للرجوع وهو يصفق يدَاه ويحدّث نفسه ويقول :لا جدوى من شخصاً تعلّق في تشاؤمه ورضيَ به وهو غفلة ووهم