بقلم: إسماعيل درويش - صحفي تركي
رجلٌ من الكرام عندنا.. هكذا قلت لمديري في العمل عندما كنت في إجازة وطلبت الالتحاق بالدوام ذلك اليوم لتغطية زيارة ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا..
عندما رأيت على الشاشات الرئيس رجب طيب أردوغان يعانق الأمير بحفاوة كالأخ الذي التقى أخيه بعد فراق فرضته الظروف.
في هذه اللحظات رجعت بي الذاكرة عامين إلى الوراء، تذكرت مقولة الأمير محمد بن سلمان الشهيرة: "لن يستطيعوا إحداث شرخ بيننا وبين تركيا طالما موجود ملك اسمه سلمان وولي عهد اسمه محمد بن سلمان ورئيس لتركيا اسمه أردوغان"، وكأنَّ ولي العهد حينها كان يدرك أن ما يجري هو عبارة عن غيمة سوف تغادر بعد أن تمطر ما فيه خير الجميع.
أذكر تماما أيام بدأت العلاقات تتدهور قبل ثلاث أعوام، كنت في إحدى المرات على شاطئ أوسكدار في اسطنبول حين قرأت خبرا يوشي بأن العلاقات بين البلدين في حالة سيئة، أغلقت هاتفي حينها وتأملت البحر متسائلا هل ستزول هذه الأيام إلى اللاعودة؟ هل ستعود العلاقات بين تركيا والمملكة كما يجب أن تكون، مبنيةً على الإخوة والمحبة بين بلدين جمعهما التاريخ المشترك وراية التوحيد التي لا تفرق بين عربي وأعجمي..
أدركت تركيا أن المملكة العربية السعودية هي العمق الاستراتيجي لها، وحاضنة قبلة المسلمين، وعاصمة العرب، والعلاقة معها تكاملية تقوم على التنافسية الإيجابية، فيما أدركت المملكة أيضا أن تركيا بوابة الشرق إلى الغرب، وبوابة الغرب إلى الشرق، وترى فيها حليفا مهما، فكان رهان البلدين على بعضهما ناجحا للغاية، توج بزيارتين الأولى قام بها الرئيس أردوغان إلى المملكة التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ليكمل الأمير مسيرة إصلاح ذات البين، فيزور تركيا ويلتقي رئيسها الذي أكرم ضيفه، ففي ذلك اليوم كان العلم الأخضر يزين الشوارع التركية إلى جانب علمها، وفي مائدة العشاء قدم أردوغان لضيفه أغنية: "السعودي فوق فوق.."، الأمر الذي انعكس إيجابيا على النفوس التي تتوق للسلام.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فمنذ ذلك الحين تواصل الوفود الزيارات إلى البلدين، وتواصل توقيع اتفاقيات التعاون بشتى المجالات، حتى صارت العلاقة أقوى مما كانت عليه، وخُتم عام 2022 بحدثين بارزين أوضحا قوة العلاقة، الحدث الأول هو إعلان وزير المالية السعودي إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، دعما للبلد الشقيق، أما الحدث الثاني هو استضافة اسطنبول لمنتدى الاستثمار التركي السعودي الذي شهد توقيع اتفاقيات كثيرة بين الجانبين.
أما على الصعيد الشخصي، فما إن رأيت العلاقات بين البلدين في هذا الحال الذي أسعدني وأسعد كل مخلص لوطنه من الجانبين، شددت رحالي إلى أرض الله المقدسة في زيارة هي الأولى إلى المملكة العربية السعودية، فنزلت بداية في جدة حيث رأيت ما رأيته من كرم الضيافة وأخلاق العروبة، ثم اتجهت إلى مكة المكرمة أطوف حول الكعبة المشرفة شكرا لله على هذه المصالحة، قبل أن اتجه صوب الرياض الغالية، فوجدتها في تطور وازدهار لا مثيل له، عانقت نجوم ليلها، طفت في شوارعها، زرت منازلها، طاعمت أهلها، فأجادوا وأكرموا وتفضلوا، ثم اتجهت إلى مطار الملك خالد الدولي مغادراً في مشاعر يشوبها الحزن لفراق هذا البلد الجميل الذي أكرمني، والفرح لقرب لقاء مدينتي الحبيبة اسطنبول...
ختاما أسأل الله العظيم أن يديم الحب والسلام بين البلدين الشقيقين، ويجعل في حلفهما غصة في قلب كل عدو يتربص فيهما، وأرجو الله أن يديم الأمن والأمان والاستقرار لوطني الحبيب الجمهورية التركية، ووطني الثاني وعمقي العربي والإسلامي المملكة العربية السعودية العظمى.