كتب / محمد العولقي
* بقدر ما وسع صوته كل البلاد ، حاملا على حنجرته الذهبية تراث بلاده الغنائي فنانا وملحنا وناقدا وشاعرا و مجددا، بقدر ما ضاقت الحكومة من إبداعاته وخدماته الفنية ، لكن الطبيعة العدنية أنصفته و لو بممر إنساني يعمق هوية و جذور هذا الفنان الذي يتلاعب بالألحان بأناقة و فاعلية السهل الممتنع.
* يتكئ الفنان الشامل (عصام خليدي) على مآثر فنية صاغها فنا ولحنا لأربعين عاما، رحلة طويلة يحفظ معجبوه ومحبوه كل أسرار تألقها إلا هذه الحكومة التي تعدم المبدعين تجاهلا وتصلبهم تغافلا وتجلدهم تهميشا ..
* ينتمي (عصام خليدي) للفرقة الفنية التابعة لوزارة الداخلية منذ أربعين عاما أو يزيد، كان ولازال يمثل الوجه المشرق والمنير لوزارة وجدت في الفن طريقا سهلا لاستتباب أمن البلاد والعباد، و كان فن (عصام) فيها رأس حربة هذا المشروع الذي تقبله الناس لأن رائده يفتت الوجدان و يدغدغ المشاعر بحماسه المتدفق و قدرته الفذة على التلون الفني.
* ظل (عصام خليدي) يطوف بحنجرته أرجاء الوطن حاملا رسالة فنية تثقيفية شعبية خالدة لعبت دورا في توعية المجتمع وربط حلقاته بفن أصيل يسكن الأفئدة و القلوب.
* بقي صوت (عصام خليدي) قويا وشامخا يتحدى عوامل التعرية السياسية ، لم تشغله المناصب عن رسالته، لم يستغث بوزير أو رئيس حكومة وهو يرى الجهلة والمعاقين فكريا يتسلقون مواسير السلطة الفنية والثقافية بالواسطات تارة وبالتزلف وبيع المبادئ تارة أخرى .
* لم تكن وزارة الداخلية منصفة وهي توزع هبات الدرجات الوظيفية على كل من هب ودب، و تكرم النطيحة والمتردية ، متجاهلة هذا العلم الفني الشامخ في وجدان الشعب شموخ جبل شمسان الأشم.
* حتى عندما داهمته ذات سنة كبيسة جلطة مفاجئة ضاقت به جدران المستشفيات وهي تنظف (جيبه) بالليفة و الصابون ، ولم يشأ هذا الفنان المرهف الحس توزيع نشره بمرضه، فالله كفيل بعلاج جرحه الطارئ ..
* لكن الذي قصم ظهر (عصام خليدي) في محنته المرضية تلك موقف وزارة الداخلية الصادم، فلم يكلف أحدهم نفسه بالسؤال عن حالة موظف في الوزارة ، ظل جنديا في محراب الداخلية مدافعا عن وطنه بحنجرته وسلاسة ألحانه ومداد كلمات نقده ..
* من المفارقات المبكية أن مدير مكتب رئيس الجمهورية أيام طيب الذكر (عبدربه منصور هادي) أصدر قرارا بترفيع تاجر في (الرياض) إلى رتبة مقدم في الداخلية ، في نفس اللحظة التي كان فيها (عصام خليدي) يحتضر على فراش المرض وقد ناء كاهله بخدمة وطن أدار ظهره لخدمته الطويلة ..
* تميل حكومة الشرعية إلى تعذيب المبدعين الجنوبيين إلى درجة الفجور ، فلم نسمع يوما أن الحكومة انتصرت لمبدع ، أو رفعت الظلم عن مثقف، أصبح مربط فرس عملها شراء الذمم والولاءات و العبث بقضايا الفن وهتك نسيج الإبداع الحقيقي.
* أغلق (عصام خليدي) على نفسه باب بيته، لم يتوسل رحمة من وزير ، أو يتسول زيارة من صديق أو غفير ، ربما كان (العود) الذي يسكن إلى جواره هو الصديق الوحيد وقت الضيق.
* و لكن لأنه مبدع أصيل و قامته تعانق جبل شمسان جاءه التقدير من أهل الفضل دون سابق ميعاد، فمجرد إطلاق اسم فنان الأحاسيس (عصام خليدي) على ممر في المعلا يعني أن الطبيعة التي أنتجت فنه بإلهام آلهي دون تدخل صناعي تقدره و تسكنه في القمة العالية حيث و كر النسر، و هذا يكفينا في زمن البوم و الغربان و الجراد.